فصل: 28- وصية نحوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التعريف بالمصطلح الشريف



.24- وصية وكيل بيت المال المعمور:

(هو الوكيل في حقوق جميع المسلمين وما له معهم إلا حق رجل واحد، والمكلف بالمخاصمة عنهم حتى يقر الجاحد؛ وهو القائم للدعوى لهم وعليهم، والمطلوب من الله ومنا بما يؤخذ لهم أو يؤخذ من يديهم، والمعد لتصحيح العقود، وترجيح جهة بيت المال في العقار المبيع والثمن المنقود، والمتكلم بكتاب الوكالة الشرعية الثابتة، والثابت القدم والأقدام غير ثابتة، والمسفوح المجال في مجالس (الحكام والمجادل بلسان الحق في الأحكام، والموقوفة كل دعوى لم تسمع في وجهه أو وجه من أذن له في سماعها، والمرجوع غليه في إماتة كل مخاصمة حصل الضجر من طول نزاعها، وإبداء الدوافع، ما لم يجد بدا من الإشهاد عليه بعدم الدافع، والانتهاء إلى الحق كان له أو عليه ولا يقف عند تثقيل مثقل ولا شفاعة شافع؛ وبوقوفه تحدد الحدود وتمتحن الشهود ويمشى على الطرق المستقيمة، وتحفظ لأصحابها الحقوق القديمة؛ وبه يتم عقد كل بيع وإيجار إذا كانت المصلحة فيها لعامة المسلمين ظاهرة، ولهم فيما يوكل عنهم في الحظ والغبطة بحسب الأوقات الحاضرة.
ونحن نوصيه في ذلك جميعه بالعمل بما علم، والانتهاء في مقتضى قولنا إلى ما فهم؛ وتقديم تقوى الله فإنه متى قدمها بين يديه سلم، والوقوف مع رضي الله فإنه متى وقف معه غنم، والعمل بالشرع الشريف كيفما توجهت أحكامه، والحذر من الوقوف في طريقه إذا نفذت سهامه؛ ومن مات وله ورثة معروفة تستكمل بحقها ميراثه، وتحوز بحظها تراثه: لا يكلفهم ثبوتا يكون من باب العنت، والمدافعة بحق لا يحتاج مستحقه إلى زيادة ثبت؛ وإنما أنت ومن كانت قضيته منكرة، والمعروف من مستحقي ميراثه نكرة: فأولئك شدد في أمرهم، وأوط شهداءهم في الاستفسار منهم على جمرهم، وتتبع باطن الحال لعله عنك لا يتستر، ولا يمشي عليك فيه الباطل ويمشي شاهد الزور بكميه ويتبختر؛ فإن تحققت صحة شهاداتهم وإلا فأشهرهم في الدنيا ودعهم في الآخرة لا يخفف عنهم العذاب ولا يفتر؛ وكل ما يباع أو يؤجر ارجع فيه إلى العوائد؛ وتقلد أمر الصغير، وجدد لك أمرا منا في الكبير، وذلك بعد مراعاة ما نجب مراعاته، والتأني كل التأني حتى يثبت ما ينبغي إثباته؛ وشهود القيمة عليهم المدار، وبشهادتهم يقدر المقدار؛ وما لم يكونوا من ذوي الأقدار، ومن أهل الخبرة بالبز والجدار، وممن اشترى العقار واستغله وبنى الدار، وإلا فاعلم أن مثله لا يرجع إليه، ولا يعول ولاسيما في حق بيت المال عليه؛ فاتفق مع ولاة الأمور من أهل الأحكام على تعيين من يعين لتقليد مثل هذه الشهادة، وتوق منهم من له كل هذه الخبرة حتى تعرف أنه من أهل الزهادة؛ ولك أن تدعي حق المسلمين حيث شئت ممن ترى أن حقه عنده يترجح، وأن بينتهم تكون عنده أوضح، فأما الدعوى عليك فمن عادتها أن لا تسمع إلا في مجلس الحكم العزيز الشافعي- أجله الله تعالى- ونحن لا نغير العوائد، ولا ننتفض ما بنت الدولة السالفة عليه القواعد: فليكن في ذلك المجلس سماعها إذا تعينت، وإقامة البينات عليها إذا تبينت؛ والله الله في حق بيت المال، ثم الله الله في الوقت الحاضر والمآل. ومن تستنيبهم عنك بالأعمال لا تقر منهم إلا من تقربه عينك، ويوفى به عند الله لا بما تحصله من الدنيا دينك؛ ومن كان لعلمه مصلحا، ولأمله منجحا: لا تغير عليه فيما هو فيه، ودعه حتى يتبين لك خافيه؛ ولتستقص في كل وقت عنهم الأخبار، ولتستعلم حقائق ما هم عليه بما تستصحبه من الأخبار، ولا تزال منهم على يقين، وعمل بما فيه خلاص دنيا ودين).

.25- وصية مدرس:

(وليطلع في محرابه كالبدر وحوله هالة تلك الحلقة، وقد وقت أهداب ذلك السواد منه أعظم اسودادا من الحدقة؛ وليرق سجادته التي هي لبدة جواده إذا استن الجدال في المضمار، وليخف أضواء أولئك العلماء الذين هم كالنجوم كما تتضاءل الكواكب في مطالع الأقمار؛ وليبرز لهم من وراء المحراب كمينه، وليفض على جداولهم الجافة معينه؛ وليقذف لهم من جنبات ما بين جنبيه درر ذلك البحر العجاج، وليرهم من غرر جياده ما يعلم به أن سوابقه لا يهولها قطع الفجاج؛ وليظهر لهم من مكنون علمه ما كان يخفيه الوقار، وليهب من ممنون فضله ما يهب منه عن ظهر غنى أهل الافتقار؛ وليقرر تلك البحوث ويبين ما يرد عليها وما يرد به من منعها وتطرق بالنقض إليها، حتى لا تنفصل الجماعة إلا بعد ظهور الترجيح، والإجماع على كلمة واحدة على الصحيح؛ وليقبل في الدروس طلق الوجه على جماعتهن وليستملهم إليه بجهد استطاعتهن وليربهم كما يربي الوالد الولد، وليستحسن ما تجيء به أفكارهم وإلا فحكم رجل بالجبه لبنت فكر وأد. هذا إلى أخذهم بالاشتغال، وقدح أذهانهم للاشتعال. ولينشئ الطلبة حتى ينمي منهم الغروس، ويؤهل منهم من كان لا يظن منهم أنه يتعلم لأنه يعلم ويلقي الدروس).

.26- وصية مقرئ:

(وليدم على ما هو عليه من تلاوة القرآن فإنه مصباح قلبه، وصلاح قربه، وصباح القبول المؤذن له برضى ربه؛ وليجعل سوره له أسوارا، وآياته تظهر بين عينيه أنوارا؛ وليتل القرآن بحروفه وإذا قرأ استعاذ، وليجمع طرقه وهي التي عليها الجمهور ويترك الشواذ، ولا يرتد دون غاية لإقصار، ولا يقف فيعد أن أتم لم يبق بحمد الله إحصار، وليتوسع في مذاهبه ولا يخرج عن قراءة القراء السبعة أئمة الأمصار، وليبذل للطلبة الرغاب، وليشبع فإن ذوي النهمة سغاب، ولير الناس ما وهبه الله من الاقتدار فإنه احتضن السبع ودخل الغاب؛ وليتم مباني ما أتم (ابن عامر) و(أبو عمرو) له التعمير، ولفه (الكسائي) في كسائه ولم يقل جدي (ابن كثير)، وحم به (لحمزة) أن يعود ذاهب الزمان، وعرف أنه لا (عاصم) من أمر الله يلجأ معه إليه وهو الطوفان، وتدفق يتفجر علما وقد وقفت السيول الدوافع، وضر أكثر قراء الزمان بعدم تفهيمهم وهو (نافع)، وليقبل على ذوي الإقبال على الطلب؛ وليأخذهم بالتربية فما منهم إلا من هو إليه قد انتسب؛ وهو يعلم ما من الله عليه بحفظ كتابه العزيز من النعماء، ووصل سببه منه بحبل الله الممتد من الأرض إلى السماء؛ فليقدر حق هذه النعمة بحسن إقباله على التعليم، والإنصاف إذا سئل فعلم الله ما يتناهى {وفوق كل ذي علم عليم}.

.27- وصية محدث:

وقد أصبح بالسنة النبوية مضطلعا، وعلى ما جمعته طرق أهل الحديث مطلعا، وصح في الصحيح أن حديثه الحسن، وأن المرسل منه في الطلب مقطوع عنه كل ذي لسن؛ وأن سنده هو المأخوذ عن العوالي، وسماعه هو المرقص منه طول الليالي، وأن مثله لا يوجد في نسبه المعرق، ولا يعرف مثله للحافظين: (ابن عبد البر) بالمغرب (وخطيب بغداد) بالمشرق؛ وهو يعلم مقدار طلب الطالب فإنه طالما شد له النطاق، وسعى له سعيه وتجشم المشاق؛ وارتحل له يشتد به حرصه والمطايا مرزمة، وينبهه له طلبه والجفون مقفلة والعيون مهومة؛ ووقف على الأبواب لا يضجره طول الوقوف حتى يؤذن له في ولوجها، وقعد القرفصاء في المجالس لا تضيق به على قصر فروجها.
فليعامل الطلبة إذا أتوه للفائدة معاملة من جرب، ولينشط الأقرباء منهم ويؤنس الغرباء فما هو إلا ممن طلب آونة من قريب وآونة تغرب، وليسفر لهم صباح قصده عن النجاح، ولينتق لهم من عقوده الصحاح، وليوضح لهم الحديث، وليرح خواطرهم بتقريبه ما كان يسار إليه السير الحثيث، وليؤتهم مما وسع الله عليه فيه المجال، ويعلمهم ما يجب تعليمه من المتون والرجال، ويبصرهم بمواقع الجرح والتعديل، والتوجيه والتعليل، والصحيح والمعتل الذي تتناثر أعضاؤه سقما كالعليل؛ وغير ذلك مما لرجال هذا الشأن به عناية، وما ينقب فيه عن دراية أو يقنع فيه بمجرد رواية؛ ومثله ما يزاد حلما، ولا يعرف بمن رخص في حديث موضوع أو كتم علما).

.28- وصية نحوي:

(وهو زيد الزمان، الذي يضرب به المثل، وعمرو الأوان، وقد كثر من سيبويه الملل، ومازني الوقت ولكنه الذي لم تستبح منه الإبل، وكسائي الدهر الذي لو تقدم لما اختار غيره الرشيد للمأمون، وذو السؤدد، لا أبو الأسود، على أنه ذو السابقة والأجر الممنون؛ وهو ذو البر المأثور، والقدر المرفوع، ولواؤه المنصوب، وذيل فخاره المجرور؛ والمعروف بما لا ينكر لمثله من الحزم، والذاهب عمله الصالح بكل العوامل التي لم يبق منها لحسوده إلا الجزم، وهو ذو الأبنية التي لا يفصح عن مثلها الإعراب، ولا يعرف أفصح منها فيما أخذ عن الأعراب؛ والذي أصبحت أهدابه فوق عمائم الغمائم تلاث، ولم يزل طول الدهر يشكر منه أمسه ويومه وغده وإنما الكلمات ثلاث. فليتصد للإفادة، وليعلمهم مثل ما ذكر فيه من علم النحو نحو هذا وزيادة؛ وليكن للطلبة نجما به يهتدى، وليرفع بتعليمه قدر كل خبر يكون خبرا له وهو المبتدا؛ وليقدم منهم كل من صلح للتبريز، واستحق أن ينصب إماما بالتمييز، وليورد من موارده أعذب النطاف، وليجر إليه كل مضاف إليه ومضاف؛ وليوقفهم على حقائق الأسماء، وليعرفهم دقائق البحوث حتى اشتقاق الاسم هل هو من السمو أو من السيماء؛ وليبين لهم الأسماء الأعجمية المنقولة والعربية الخالصة، وليدلهم على أحسن الأفعال لا ما يشتبه فيه بصفات (كان) وأخواتها من الأفعال الناقصة، وليحفظهم المثل وكلمات الشعراء، ولينصب نفسه لحد أذهان بعضهم ببعض نصب الإغراء؛ وليعامل جماعة المستفيدين منه بالعطف، ومع هذا كله فليرفق بهم فما بلغ أحد علما بقوة ولا غاية بعسف).

.29- وصية متطبب طبائعي:

(وليتعرف أولا حقيقة المرض بأسبابه وعلاماته، ويستقص أعراض المريض قبل مداواته، ثم ينظر إلى السن والفصل والبلد، ثم إذا عرف حقيقة المرض، وقدر ما يحتمله المزاج إذا عرض، يشرع في تخفيف الحاصل، وقطع الواصل، مع حفظ القوى. ولا يهاجم الداء، ولا يستغرب الدواء، ولا يقدم على الأبدان إلا بما يلائمها، ولا يبعد الشبه، ولا يخرج عن جادة الأطباء ولو ظن الإصابة حتى يقوى لديه الظن ويتبصر به في رأي أمثاله. وليتجنب الدواء، ما أمكنه المعالجة بالغذاء، والمركب، وما أمكنه المعالجة بالمفرد؛ وإياه والقياس إلا ما صح بتجريب غيره في مثل مزاج من أخذ في علاجه، وما عرض له، وسنه، وفصله، وبلده، ودرجة الدواء. وليحذر التجربة، فقد قال (أبقراط) وهو رأس القوم: إنها خطر.
ثم إذا اضطر إلى وصف دواء صالح للعلة نظر إلى ما فيه من المنافاة وإن قلت، وتحيل لإصلاحه بوصف يصلح معه، مع الاحتراز في وصف المقادير والكميات والكيفيات، في الاستعمال والأوقات، وما يتقدم ذلك الدواء أو يتأخر عنه. ولا يأمر باستعمال دواء، ولا ما يستغرب من غذاء، حتى يحقق حقيقته، ويعرف جديده من عتيقه: ليعرف مقدار قوته بالفعل؛ وليعلم أن الإنسان هو بنية الله وملعون من هدمها؛ وأن الطبيعة مكافية وبؤسى لمن ظلمها؛ وقد سلم الأرواح وهي وديعة الله في هذه الأجسام، فليحفظها وليتق الله ففي ذلك جميع الأقسام؛ وإياه ثم إياه أن يصف دواء ثم يكون هو الذي يأتي به، أو يدل عليه، أو المتولي لمناولته للمريض ليستعمله من يديه، وفي هذا كله لله المنة ولنا إذ هدينا له وأرشدناه إليه).

.30- وصية متطبب بالكحل:

(وها أنت أفردت بتسليم أشرف الحواس الخمس، والجوارح التي لولاها لم تعرف حقيقة ما يدرك بالسمع والذوق والشم واللمس؛ وهي العين التي تفدى بالعين، وتوقى ساعة البين؛ وقد جعلت منها لمعالجة أشرف الأعضاء، وأشرف إنسان يحيط بصره بكل الفضاء؛ فاجعل عليها من مداراتك الواقية، وأبق بها من حسن الأثر ما يرى والعين باقية؛ وتلطف بها في العلاج، وارفق بها فإنها من طبقات: منها الزجاجية ومنها شبيه الزجاج. ولا تقدم عليها بمداواة حتى تعرف حقيقة المرض، والسبب الذي نال به ذلك الجوهر العرض؛ ثم داوها مداواة تجلوا بها القذى عن البصر، وتشفي بها من السقام إلا الذي في عيون الغيد من حور، ويقيم بأجفانها عليها سورا، ويديم لإنسانها من ضوء البصر نورا. ثم لاطف بما يناسب من الغذاء ذلك الإنسان، وترفق به فإنك معروف بالإحسان؛ وصنه عن قدح قادح، وأعنه حتى لا يقال يا أيها الإنسان إنك كادح. وأعمل على ما فيه صلاح ذاك السواد الأعظم، والإمتاع بذلك السواد الذي لا يشترى بملء الأرض ذهبا منه قدر نصف درهم؛ وتخير من الكحل ما فيه جلاء الأبصار، وشفاء العين مما يخاف على الإنسان فيه الأخطار. وافعل في هذا كله ما إذا كنت بسواد الحدق لم تنسخ، وإذا قيس قدر ميل منه لم يبعد إليه ألف فرسخ؛ واستشر الأطباء الطبايعية فيما أهم، وفيما لا يستغنى فيه عن رأي مثلهم، من تخفيف مادة الاستفراغ أو نقص دم، إلا غير هذا مما إذا فعلته لم تلم بعده بما ألم).